بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 10 أغسطس 2012

ماذا تعرف عن اليهودية الحريدية


قسم الترجمة 
كما وعدكم دائما مزيد من الترجمة من اللغات المتعددة 
مقال كامل عن اليهودية الحريدية ننتظر التعليقات 



اليهودية الحريدية
اليهودية الحريدية هي شريحة من التيارات في اليهودية الربانية والأرذوكسية، ويُعرف أتباعها باسم حريديم. ويتميز الحريديم بالصرامة الشديد والمحافظة على تطبيق الشريعة اليهودية، ويتحدون في الأصولية  الدينية والإجتمالية. والإعتقاد السائد هو أن مصدر لقب "حريدي" هو سفر أشعيا 66، 5 "اسمعوا كلام الرب أيها المرتعدون من كلامه..." (المرتعدون من كلام الرب، للتمسك بالمحافظة على أوامره كما ينبغي) ورغم أن في الأصل يستخدم لفظ "حريد" إلا أن المألوف أكثر هو لفظ "حريدي".
خلفية تاريخية
تبلورت الرؤى والنظريات الحريدية كرد فعل ولموجهة مسيرات التنوير والعلمانية والإندماج التي انتشرت في أوساط اليهود الإشكناز في القرن التاسع عشر. وكما ذكرنا فإن المصطلح حريدي اُقتبس من الآية "اسمعوا كلام الرب أيها المرتعدون من كلامه..." (أشعيا 66 ، 5). وهذا اللقب مُنح بتلاميذ الحاخامات الذي تعلموا التوراة طوال حياتهم وكانوا يقيمون التوراة والوصايا بكل دقة. وكان من رؤسائهم موشيه سوفير-الذي يُعد من الشحصيات المحافظة ومن كبار المعارضين لحركة الهسكلاه- وترك بصمته بالجملة التي تتطابق مع المجتمع الحريدي :"الجديد ممنوع من التوراة" وبأقواله هذه استخدم موشيه سوفير كإعادة صياغة للنص في قانون داوريتا الذي يتناول حظر أكل الحبوب الجديدة قبل قدوم عومير، من أجل الإعراب عن موقفه السلبي تجاه أي تجديد.
هذا وتعاظمت ظاهرة الحريدية على هامش القرن التاسع عشر، وتطورت في مقابل الصور الكبرى في العالم اليهودي، التي أثرت بشكل جوهري: بداية الهسكلاه، والتحرر في غرب أوروبا  الذي دفع العديد من اليهود إلى الخروج عن الجاليات اليهودية والإندماج في مجتمع الجوييم العام، وكجزء من هذه المسيرة أختار الكثيرون تغيير ديانتهم واعتناق النصرانية. والحركة الصهيونية كانت عملياً مسيرة العودة إلى إطار الطائفة والأمة، لكن غالبية مؤيديها لم يكونوا ارذوثكس. والكثير من الشباب تاقوا إلى القومية، وفي المقابل تطورت العلمانية في الغرب، وشمل هذا اليهود بالطبع. بناء على ذلك، خشي اليهود الأرذوثكس التقليديين بالتهديد من تلك الحركات، وطالبت بتطوير منظومات دفاعية أمام تلك التحولات. وفي هذا الإطار التاريخي تكونت حركة رابطة إسرائيل في أوروبا.
سمات الحريدية
طبيعة المجتمع الحريدي معقدة من ناحية التركيب التدريجي الخاص به بالإضافة إلى سمات وخصائص مختلفة تميز بينها وبين المجتمع الغير حريدي. وهذه العزلة تهدف إلى محافظة تركيبة المجتمع الحريدي على قيمها التقليدية في مواجهة توغل الثقافة الغربية وتأثيره على العلاقة بالدين. فالعزلة ورفض التغيرات مُتبع أيضا تجاه العادات الإجتماعية الغير محظورة من ناحية الشريعة النقية.
التعصب الديني والتمسك بالشريعة
الحريديم معروفون بصرامتهم في إقامة الوصايا ويتشددون في القضايا الشرعية المختلفة. وسنورد هنا أمثلة بارزة:
الإحتشام والفصل بين الجنسين
يلتزم المجتمع الحريدي بالفصل بين الرجال والنساء، لمنع إقامة أي علاقات إجتماعية بين الرجال والنساء. ويتم الفصل بشكل تام بين الأولاد والبنات في المدارس بدء من مرحلة رياض الأطفال. وباقي المراحل الدراسية يتم فيها أيضا الفصل بين الجنسين بشكل تام. وفي إطار هذا التعصب، يلتزم الحريديم بالفصل بين الجنسين ليس فقط في المعابد، بل أيضا في صالات المناسبات،من خلال تقسيمها إلى نصفين قسم للرجال وقسم للنساء.
وهذا الصرامة يتمثل على سبيل المثال بشأن االتشدد في فرض ملابس معينة تتمتع بقدر كبير من الإحتشام على النساء. والرجال غير مسموح لهم بالإشتراك في المناسبات الخاصة بالنساء أو الإستماع للدروس والمحاضرات الخاصة بالنساء، وبالطبع يحرم الإستماع لغناء النساء. بالإضافة إلى ذلك يُحظر نشر صور النساء في الصحف الحريدية.
وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تشهد منذ سنوات طويلة فصلاً بين الرجال والنساء في الأوساط الحريدية المقيمة هناك (بشكل غير قانوني) ، في جيمع خطوط المواصلات العامة العاملة بين التجمعات الحريدية المختلفة في ولاية نيويورك، مثل الخطوط الرابطة بين برو بارك و ويليمزبيرج، والخطوط الرابطة بين بروكلين ومنهاتن من جهة، ومونسي وكريات يوئيل وليكوود-نيوجيرسي من جهة اخرى. وفي الأعوام الأخيرة تعاظم هذا التوجه في إسرائيل أيضا. فعلى سبيل المثال نظمت شرائح داخل القطاع الحريدي فصلاً بين النساء والرجال في جزء من الباصات العاملة على خطوط المواصلات العامة وأطلق عليها "خطوط المهدرين"(خطوط المتشددين). وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية قد منعت عمل خطوط المهدرين التي يتم فيها الفصل بالإجبار، وسمحت بالفصل عن طيب خاطر.
في الضاحية الحريدية نيو سكوير الواقعة في ولاية نيويورك، تشهد فصلاً أيضا في الشوارع وأطراف الشوارع مُحدد بها أرصفة خاصة للنساء وأرصفة خاصة للرجال. وفي أجازات وأعياد إسرائيل يتم تطبيق فصل مماثل في الشوارع القريبة من المعبد الرئيسي الخاص بحسيدية فيزنيتس في كريات فيزنيتس ببني باراك، وكما أشرنا بأعلى في الشوارع القريبة من المعبد الرئيسي الخاص بحسيدية ساتمر بكريات يوئيل في نيويورك.
وكانت هناك محاولات تمت من قبل عناصر تجارية لتنظيم معارض مخصصة لطائفة الحريدية، يتم خلالها الفصل بين الرجال والنساء داخل القاعة، ولكن تم رفض ذلك من قبل الغالبية العظمى من الربانين وكبار الحريدين في إسرائيل والخارج، وذلك خشية حدوث تجمعات حول القاعة ينتج عنها اختلاط بين الشباب والفتيات.
هذا ونجد أنه في أوساط الجماهير الحسيدية فإن منظومة العلاقات بين الزوجين تتميز بالتحفظ الشديد في حضور الآخرين، ولا يتم اظهار أي تقارب علني. وحسيدية جور المتشددة تُعد الأكثر صرامة في ذلك، ويجبرون الزوج والزوجة بعدم الظهور كزوجين أمام العامة ويمتنعان عن السير سوياً في الشارع. لكن في الحسيديات الأخرى أن هذه الصرامة غير مقبولة.
الطعام المطابق للشريعة اليهودية (الكوشير)
فيما يتعلق بالمحافظة على أحكام الطعام الكوشير، يتميز الحريديم بالتشدد، فهم صارمون في استخدام فقط المنتجات المصدق عليها من قبل جهات الرقابة التي تصدر شهادات رقابة "للمهدرين" التي يُعد إشرافها أكثر صرامة من الربانيات المحلية أو الربانيات الرئيسية.
وهناك موضوع آخر متعلق بالكوشير يتمثل في التشدد في إقامة تعاليم الشميتا (العام الذي يخظر فيه على اليهود الحرث والزراعة) وتتمثل الصرامة بها في عدم الحصول على تصريح بالبيع.
هذا التعصب سبب في الماضي عدة مواجهات على خلفية الإختلاف في وجهات النظر بشأن قضايا عدة، بين رباني التيار القومي وبين رباني الإستيطان القديم الخاص بالقدس والربانين الحريديم في أوروبا، وإحدى أشهر المواجهات التي عُرفت بجدال الشميتا، الذي شهد خلافاً بين رباني القدس والربانين الصهيونيون بشأن هل يتم منح إذن بالبيع في عام الشميتا أم لا.
الكهرباء في السبت
في العديد من المعابد والمنازل الخاصة في إسرائيل يتم تشغيل مولدات كهرباء خاصة للإمتناع عن انتهاك حرمة السبت، بزعم أن الكهراباء يتم إنتاجها ونقلها بواسطة يهود في شركة الكهرباء.  ورجال الطائفة الحريدية الذين يعدون أكثر تشدداً يعتادون استخدام شبكة الكهرباء في إسرائيل ولكن في أيام السبت وفي الأعياد ينفصلون عنها خشية انتهاك حرمة السبت.
مظاهرات واحتجاجات
في إسرائيل يُكثر الحريديم من الفصائل المتطرفة (خاصة أتباع الطائفة الحريدية) من الخروج للتظاهر ضد ما يعتبرونه تدنيس لقدسية الدين، على سبيل المثال مثل تدنيس السبت وتدنيس القبور. أما في الولايات المتحدة وأوروبا فقليلاً ما يتظاهر الحريديم هناك، وتتم المظاهرات هناك بوجه عام أمام القنصليات الإسرائيلية، للإعراب عن التضامن مع احتجاجات الحريديم في دولة إسرائيل. وعلى مر السنين تم رصد مظاهرات في مقابر يهودية بأوروبا،التي شهدت محاولات لتخريبها، أو لنقلها من مكانها أو لإدخال تعديلات بها.
الإنصياع لكبار العصر
في القطاع الحريدي "كبار العصر" أو (كبار إسرائيل) هم المرشدين ولهم الصلاحية العليا للرد على كل ما يتعلق بالتساؤلات العامة. ورغم أن الجمهور الحريدي يتكون من مئات الطوائف المستقلة التي لكل منها زعمائها المستقلين، إلا أنه إذا طفت على السطح تساؤلات شعبية ذات تأثير على القطاع الحريدي بأكمله، فإن زعماء الطوائف المُهمين والموقرين الذين يُطلق عليهم "كبار العصر" هم الذين يتطلب منهم حسم الأمر وقراراتهم التي تصدر بشأن تلك المسائل تقبل بها جميع الجماهير الحريدية بدون أي اعتراض. وهذه القرارات تُنشر أحياناً في بيان رسمي يُذيل بتوقيعات الحاخامات.
الإنطواء والإنعزال
  هناك صفة أخرى تؤثر على خصوصية الطائفة الحريدية، تتمثل في انطواء وانعزال الطائفة في نفسها، من خلال إقامة مساكن منفصلة، ومنظومة تعليم مستقلة وخاصة بالطائفة، والإمتناع عن قراءة الأدب الغير حريدي، وفرض رقابة على وسائل الإعلام. ويتمثل هذا أيضا في منع الفتيات من الخدمة حتى في الخدمة العامة، وكذلك منع أبناء المستوطنات التعاونية (اليشيفا) من أداء الخدمة العسكرية في جيش الدفاع الإسرائيلي لتجنب مخالفة التوراة ومسائل شرعية مختلفة مرتبطة بالخدمة مثل الإحتشام وصلاحية الطعام. علاوة على الإمتناع عن تعلم التخصصات الأكاديمية في في الجامعات والمعاهد العامة، وإقتصار التعليم على المعاهد الحريدية فقط. ويصر الحريديم على التحدث بلغة أخرى تختلف عن تلك المنتشرة في الثقافة العلمانية. ولذلك نجد أن العديد من الحريديم يتحدثون فيما بينهم بلغة اليديش. والحسيدين يستخدمون هذه اللغة كثيراً في معاهدهم (يستثنى من ذلك حسيدي جور)، كما أن الليتوانيون (وخاصة البريسكيم)، وكذلك يمكن أن نجد سفرديم الذين انضموا إلى حظيرة الحسيدية يتحدثون بلغة اليديش. هذا ويتحدث الليتوانين في الولايات المتحدة اليديش أو الإنجليزية المُطعمة بكلمات كثيرة من اللغتين اليديش والعبرية، التي يطلقون عليها "يشيفيش" (أي اليشيفية).
نتيجة الخوف من التأثيرات السلبية التي من ِشأنها أن تصيب التعليم الحريدي من متابعة وسائل الإعلام العلمانية ذات التوجهات العلمانية، نجد أن الحريديم كمجتمع يقاطع وسائل الإعلام العامة ويتجنبون استخدامها بحرية. ويتمثل هذا الأمر في فرض حظر على مشاهدة التلفاز. وهناك زعماء حريديم يحاولون أيضا منع البيوت الحريدية الدخول على الإنترنت، ومطالعة الصحف الغير حريدية، لكن خلافاً للنجاح المطلق في منع الحريديم في مشاهدة التلفاز، فإنه فيما يتصل بإستخدام الإنترنت فنجد أن تأثير تلك العناصر محدود للغاية ورغم الجهود التي يبذلوها فإن حوالي ثلث الحريديم يواظبون على تصفح الإنترنت. وبوجه عام سيكون الإنترنت مطابق للشريعة ومنذ البداية يكون إستخدامه لإحتياحات العمل فقط. وكبديل لكل هذا يستخدم الحريديم وسائل إعلام خاصة بالقطاع فقط، مثل الصحف ومجلات حريدية مثل :"الموديع"، "يتد نامان" ،"همشبار"، "مشبحاه"، "بكهيلا" ،"شعاه طوفاه"، وغيرها. بالإضافة إلى ذلك يتم الإستعانة بإعلانات الحائط والمنشورات والإعلانات التي توضع على السيارات لنشر رسالة أو معلومة معينة.
تقديس مجتمع المتعلمين
جعل تعلم التوراة أمر يملئ كل  مضامين الحياة العملية يُعد رمزاً حريدياُ، فعلى الرغم من أن غالبية أبناء القطاع الحريدي يخرجون في مرحلة معينة للعمل. إلا أن هناك قطاعات في المجتمع الحريدي يقوم فيها العمال بتعلم التوراة بعد انتهاء أعمالهم. وجميع الصبية يتم ارسالهم إلى مستوطنات تعاونية كبيرة أو صغيرة. بالإضافة إلى ذلك ومن منطلق هذه العلاقة العقائدية لتعلم التوراة، يكتفي الحريديم بتعلم علوم دنيوية في المؤسسات الحريدية المخصصة للرجال (مثل مواد الحساب والنحو). وفي مدارس دينية أخرى يتم أيضا تعليم التوراة والتاريخ وغيره. وفي المدارس الدينية الخاصة بالتعليم المستقل (المراحل الدراسة من الصف الأول إلى الصف التاسع) يدرسون مناهج دراسية مشابهة لتلك التي تُدرس للبنات في مدارس التعليم المستقل ولكن المدارس من هذا النوع أقل انتشاراً في المجتمع الحريدي، وغالبية المدارس الدينية هي مؤسسات مستقلة يتم فيها معظم ساعات اليوم تعليم مواد مقدسة فقط لتجنب إبطال التوراة. وأيضا لدى البنات، اللاتي يدرسن معظم المواد الدراسية التي يتم تدريسها في المدارس الرسمية، فيتم إجراء توافق معين في المناهج الدراسية (وأيضا في المواد العملية مثل الرياضيات وغيرها)، لكي تتوافق مع الرؤية الحريدية. بالإضافة إلى ذلك وعلى الرغم من العلاقة المعتدلة إزاء المواد الدراسية الدنيوية والعلوم في المؤسسات التعليمية الخاصة بالبنات، فيوجد إصرار على ألا تصل المواد المُدّرسة لهن إلى المستوى المطلوب للدراسة الثانوية، بهدف إيجاد صعوبة تقنية أمام البنات لكي لا يتمكن من التقدم لتلك الإمتحانات، وكبديل لذلك تمر البنات بـ "إمتحانات حكومية"، ونتيجة لذلك نجد أن القليل فقط من البنات الحريديوت بالإجتهاد بالإلتحاق بالتعليم الأكاديمي العالي. وفي إطار هذه الرؤية المحافظة تم إقامة مؤسسات خاصة لا تندرج في إطار لمنظومة التعليم الرسمية العامة مثل "التعليم المستقل" و"إيل هامعين" وغيره. والبنات الحريديوت يدرسن في المراحل التالية (13-14) في معاهد تعليم مهني للبنات لا يتطلب الإلتحاق بها إجتياز إختبارات الثانوية (البجوروت)، كما لا تمنح لقباً أكاديمياً. ومعظم التخصصات مرتبطة بالتعليم (الإرشاد، التوجيه الثقافي الخاص والمتشعب الخاص برياض الأطفال والذي لا يحتاج إلى شهادة) والهندسة (الهندسة المعمارية، هندسة الديكور، هندسة برامج الحاسب الآلي) وكذلك المحاسبة (مطالعة الحسابات، والإستشارات الضريبية، وإدارة الحسابات). ويمكن ان نلاحظ لدى الحريديم اعراف إجتماعية خاصة بمنح لقب خاص يرتبط بالإمتثال الكامل لأوامر وتوجيهات كبار العصر الحريديم هو دعات هاتورة- معرفة التوراة (الحرص على أن قيمة الأحكام سيكون على أساس طهارة الحاخامات الحريديم، أي بدون الإعتماد مطلقاً على إحكام الحاخامات الغير حريديم. وفي هذا السياق يتم اختيار ممثلي القطاع الحريدي في الكنيست بواسطة الحاخامات الرئيسيون). مجلس كبار التوراة. وهذه السمات موجودة في المجتمع الحريدي في إسرائيل. أما في الخارج –في المقابل- فإن هذه السمات غير موجودة. فمنظومة التعليم الحريدي تقتصر فقط على فتية اليشيفا والحاخامات، بينما جموع الطائفة الحريدية يكونون في أعمالهم. وهناك أيضا عناصر مختلفة مشتركة بين اليهودية الحريدية، واليهودية الحريدية القومية وبين غالبية الجمهور الديني القومي. ويتمثل هذا الأمر في الصرامة في تنفيذ جميع الوصايا، والمحافظة الدينية، من منطلق الخشية من التحديث الديني الذي يشكل انزلاقاً للإصلاح. وتتمثل هذه الصرامة في إعتبار التوراة والوصايا كقيمة عليا والفصل بين الجنسين في المؤسسات التعليمية، والإمتناع عن مشاهدة المسرحيات والأفلام الغير محتشمة، والإمتناع عن تجنيد النساء في جيش الدفاع الإسرائيلي.
التوظيف:
نسبة مشاركة الجمهور الحريدي في إسرائيل في منظومة العمل ضئيلة نسبياً، فما يقرب من 73% من الرجال الحريديم لا يعملون مقابل 16% من الرجال الذين لا ينتمون إلى الطائفة الحريدية في إسرائيل. وذلك بسبب تفضيل العديد من الرجال الحريديم تكريس حياتهم في تعلم التوراة.
في مقابل ذلك، نجد أن نسبة السيدات العاملات مرتفعة جداً في أوساط الحريديم، فأكثر من نصف السيدات يخرجن للعمل خارج البيت أو يتكسبن من أعمال يقمن بها من داخل بيوتهن.
هذا تجدر الإشارة إلى أن الرجال الذين يخرجون إلى العمل يعملون بوجه عام في مهن تقليدية، حيث يعملون مثلاً مدرسين وكُتاب للكتابات المقدسة وتجار وكمراقبين على الأطعمة للتأكد من مطاقتها للشريعة اليهودية وغير ذلك. وخلال العقد الأخير، ومع إفتتاح المعاهد الحريدية، بدأ الحريدين في العمل أيضا في مهن حرة، مثل المحاماة ومراقبة الحسابات والحواسب الآلية والهندسة وهلم جرا. وهناك نسبة كبيرة من النساء الحريديات يعملن التدريس، والمسار التعليمي الطبيعي للفتاة الحريدية هو المعهد الحريدي. ولكن في العقود الأخيرة اتضح أنه لا توجد أماكن عمل في التدريس تستوعب جميع الخريجات، وفي أعقاب ذلك بدأ النساء في دراسة تخصصات أخرى، مثل فن الرسم، والديكور، وإدارة الحسابات، ومراجعة الحسابات والمحاماة. وهناك شركات أدركت الطاقة الكامنة في القطاع الحريدي والصعوبة التي يواجهها الحريديم عند الاندماج في أماكن العمل التقليدية. فأقامت بالقرب من التجمعات الحريدية مراكز تشغيل خاصة يعمل بها أبناء هذا القطاع فقط في ظل ظروف تتلائم مع أسلوب حياتهم.
   هذا ونجد أن 46% من إجمالي القطاع الحريدي يعملون في الأعمال التطوعية، من بينهم 25% يتطوعون في إطار منظمة، و57% يتطوعون بشكل شخصي و 16% يتطوعون في إطار منظمة وبشكل شخصي. وحوالي نصف إجمالي المتطوعين يقومون بأنشطة تطوعية تزيد عن 10 ساعات في الشهر.
اللباس الحريدي
الزي الحريدي ليس موحداً في كل كامل القطاع، لكنه يحافظ في الأساس على نفس الهيئة التي كان عليها اليهود بشرق أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين. هذا وقد مر الزي الحريدي التقليدي بتعديلات عديدة نتيجة لعدة تفصيلات مختلفة، تهدف إلى دفع اليهود إلى المحافظة على تقاليدهم وعلى أسلوب حياتهم الإنعزالية. وصحيح أن اليهود الذين ترجع أصولهم إلى الدول المتحررة (خاصة الولايات المتحدة) يحافظون إلى يومنا هذا على ملابسهم بنفس الشكل الذي كان متبعاً في مناطقهم الأصلية. وسبب ارتداء الحريديم ملابس باللونين "الأسود والأبيض" يعود إلى غاية ومحور حياتهم –فهم يعطون أولوية بالغة لتوحيد زيهم، الذي يوحدهم جميعاً، ويذكرهم دائماً بالهدف الذي يتطلعون إليه ويساعدهم على التركيز بشكل أكبر على المهمة الروحانية السامية في الحياة، والزهد في مباهج الدنيا والتشبث بالحياة المادية. والآن، لماذا الألوان الداكنة والسوداء في التلمود (شبات كنو، ب) ورد "غطي رأسك، حتى تكون عليك خشية سيدك (سبحانه وتعالى)" بمعنى، أنه توجد تصرفات وأنشطة، التي على الرغم من أنه على ما يبدو أنه أنشطة خارجية فقط ولا ترتبط بالتأمل العقلي، وطبيعتها هي أنها تؤدي إلى نتائج نفسية، وتؤثر على مشاعرنا وتعامنا مع قضايا مختلفة، في نفس الوقت.
البناء الأسري ووضع المرأة
البناء الإجتماعي والأسري في المجتمع الحريدي هو نظام أبوي، ولدى الزوجين يكون دخل كل من الزوج والزوجة عبارة عن صندوق مشترك تجاه احتياجات المنزل، ويكون الأب في الغالب هو من يدير ميزانية البيت. ولأسباب متعلقة بالإحتشام، نجد أن السيدات في المجتمع الحريدي لا يتولين مناصب عامة ولا يقمن بأدوار عامة مثل الإشتغال بالسياسة، وينطبق هذا الأمر على القيادة وتولي المناصب الإدارية العامة، بإستثناء مؤسسات تعليم الإناث. والنساء الحريديات في معظم القطاعات يحظر عليهن تعلم القيادة، لأسباب تتعلق بالإحتشام، كما يحظر عرض صور النساء أمام العامة وفي وسائل الإعلام الحريدية. ووفقاً للآية "كل كريمة ابنت ملك داخلياً" وفي المزامير بالجزء الخاص بالأسرة الحريدية، وخاصة  جمهور طلاب اليشيفا، فمن المتبع أن الرجل الحريدي يدرس بوجه عام ولا يعمل، والمرأة تتحمل على عاتقها ظلماً إعاشة الأسرة بواسطة العمل في بيتها أو في الخارج. (في إسرائيل 61% من السيدات الحريديات يعملن مقابل 52% فقط من الرجال الحريديم) ومجال العمل الأكثر انتشاراً للنساء الحريديات في إسرائيل هو التدريس في المدارس وفي رياض الأطفال الخاص بالجالية الحريدية. وفي الأعوام الأخيرة دخلت المرأة الحريدية مجالات عمل جديدة، مثل التسويق عبر الهاتف، والسكرتارية، وبرامج الحاسوب. ويمكن أن نجد مثالاً لذلك في الياشوف الحريدي الجديد موديعين عيليت الذي أُقيم به موقع تشغيل خاص بالنساء الحريديات فقط وبه "مراكز برمجة" وأعمال أخرى تتعلق بمجالات الهاي-تك المختلفة. ونجد أن تلك الظاهرة المتعلقة بالزوج المتعلم والمرأة العاملة منتشرة بشدة في المجتمع الليتواني. أما في المجتمع الحسيدي فنجد أن هناك عدد أكبر من الرجال العاملين الذين يتكسبون قوت يومهم.
الأسر كثيرة الأبناء
في المتوسط تكون الزيادة الطبيعية في أوساط السكان الحريديم مرتفعة نسبياً  مقارنة بباقي السكان. وفي غالب الأحيان نجد أن الأسرة الحريدية تتكون من عدد ثنائي من الأبناء وفي أحيان نادرة يمكن أن نجد أسر يصل عدد أبنائها إلى 18 ولد أو أكثر. والسبب الرئيسي لكثرة الأولاد ينبع من رؤية أيديولوجية دينية تعتبر جلب أولاد للعالم وصية كبيرة وغاية. وبالتوافق مع ذلك لا يتم تقريباً إستخدام أي وسيلة من وسائل منع الحمل، بإستثناء الحالات التي يكون فيها صعوبة خاصة أو خطورة صحية تصاحب الحمل. والإعتبارات الإقتصادية لا تحمل أهمية كبيرة في أعين الآباء الحريديم، نتيجة لأنهم يؤمنون بأن الرزق مكتوب في السماء (من قبل الرب)، حسبما كُتب في فصل البيضة بأن "أرزاق الإنسان محددة له من رأس السنة وحتى يوم الغفران".  ووفقاً للإعتقاد الذي يرى أن كل طفل يجلب معه البركة تسمى الأسرة الكبيرة "أسرة بركة الأولاد".
   على الرغم مما ذكرناه بأعلى، فإن هناك عائلات حريدية عديدة عدد الأولاد بها قليل جداً، سواءاً لأسباب صحية خاصة بالمرأة، أو لأسباب أخرى. والمتبع هو استشارة الحاخام قبل إتخاذ قرار بشأن إستخدام وسائل منع الحمل. مع العمل أن متوسط انجاب المرأة الحريدية هو 7.7 أولاد.
الإمتناع عن التجنيد في الجيش
غالبية أبناء القطاع الحريدي لا يتجندون في جيش الدولة، وفي إسرائيل يمتنعون حتى وقت قريب عن أداء الخدمة العسكرية في جيش الدفاع الإسرائيلي. وهذا الإمتناع نابع عن عدة أسباب.هي :
أولاً : صعوبة الحفاظ على الشريعة اليهودية بنسختها الحريدية في الجيش والفتن التي يضعها الإطار العسكري أمام الحريدي العاذب.
ثانياً: من وجهة النظر الحريدية، فإن الشاب البالغ من العمر 18 عاماً لا يزال مغموساً في أوج فترة تعليمه في اليشيفا،  وهذا هو الوقت الذي يكون عليه الحصول على تعليمه الديني.
ثالثاً: ينظر الحريديم إلى أبناء المدارس الدينية (اليشيفا) بإعتبارهم "جندي روحاني"، الذي يدافع عن شعب إسرائيل بشكل لا يقل عن الجندي العسكري، وفي أعينهم فإن تجنيد شباب المدارس الدينية مثله مثل الجندي الفار من وحدته إلى وحدة أخرى. وفي القطاع الليتواني في إسرائيل يعترضون على التجنيد أيضا في عمر أكثر نضوجاً، في إطار رؤية تقضي بأنه يجب على الإنسان تكريس كل حياته لتعلم التوراة.
     في نهاية حقبة التسعينيات من القرن العشرين بدأ توجه خاص بتطوير أنظمة عسكرية تتوافق مع الحريديم. أولها كان الشباب الطليعي المحارب الحريدي (الذي تحول بمرور الوقت إلى كتيبة قتالية تحمل اسم "نصر يهودا" في لواء كفير).بالإضافة إلى ذلك أُقيمت هيئات (خدمة الحريديم) المتوافقة مع إستيعاب الشباب الحريدي في القوات الجوية  والقوات البحرية وفي سلاح المخابرات. وف أكتوبر 2010 تم إفتتاح هيئة خدمة حريديم أخرى في قيادة الدفاع المدني. وفي تلك الهيئات لا يوجد فتيات، والطعام المقدم بها صالح للمتدينين وبها اهتمام كبير بالإحتياجات الدينية المختلفة، مثل أوقات الصلاة والمحافطة على السبت. والشباب المجندين بها يفعلون ذلك عقب تخرجهم من اليشيفا. وأعداد المجندين بها آخذة في التزايد. ففي عام 2010 أرتفعت نسبة المجندين بحوالي 25%،  وتوفق عدد المجندين في هيئات خدمة الحريديم على عدد المجندين في الشباب الطليعي المحارب الحريدي. وفي المجمل أدى الخدمة في عام 2010 حوالي 2.500 جندي في المنظومات الخاصة بالحريديم. والعدد المُحدث للرجال في العمر المؤهل للخدمة العسكرية والذين أُجلت خدمتهم من عام لعام وفق بند "توراته عقيدته" هو: 62.500 (إلا أن جزء من المؤجلة خدمتهم هؤلاء يتم تجنيدهم في مرحلة متأخرة).
    هذا ونجد أن امتناع الحريديم عن التجنيد في جيش الدفاع الإسرائيلي تثير ضدهم خصومة المجتمع الواسع. فأكثر من مرة تنتفض شخصيات عامة (قانونيون مثل يهودا رسلر، ووزراء مثل إيهود باراك وأعضاء كنيست مثل يوسي ساريد وتومي لفيد)، وحركات يسارية مثل هناك حدود، ونظموا حملة قوية ضد القطاع الحريدي. في عام 2010 بادرت وزارة المالية بتقديم مشروع قانون ينظم عدن تجنيد الحريديم، في إطار الإعتراف بأنه بما أنهم لا يؤدون الخدمة العسكرية فإنه من الأفضل –على الأقل- فتح سوق العمل أمامهم.  وعدم تجنيد الحريديم بدأ عقب تسوية مؤقتة كانت متبعة خلال حرب 48 ، وعقب انتهاء الحرب بوقت قصير أمر رئيس الوزراء ووزير الدفاع آنذاك دافيد بن جوريون، بالسماح بإلغاء تجنيد تلاميذ اليشيفوت "الذين توراتهم عقيدتهم". وكان الهدف من هذه التسوية حينئذ ،مثلما رأها صاحبها أيضا، هو الحفاظ على شعلة تعليم التوراة في شعب إسرائيل. وهي الشعلة التي انطفأت تقريباً في المحارق النازية بأوروبا، التي دمرت خيرة يشيفوت بولندا وألمانيا وليتوانيا، ولم تبقي منهم باقية.
المنظمات التطوعية والخيرية
هناك سمة مميزة في الثقافة الحريدية تتمثل في كثرة المنظمات التطوعية والمنظمات الخيرية، التي بالإضافة إلى أن العمل بها يكون ابتغاء وجه الله، فإنها تشكل نوع من "الضمان الإجتماعي" الداخلي الخاص بالمجتمع الحريدي، وتخفف من فقره.
وتقدر أعداد تلك المشاريع بالآلاف، وفي بعض الأحيان يتعلق الأمر بشخص مستعد لتقديم خدماته المهنية مجاناً، مثل العلاج الفيسيولوجي أو الإستشارات الضريبية، وفي أحيان أخرى تكون الخدمات المقدمة أكثر مؤسسية. وغالبية المنظمات الخيرية تشتغل في مجال المساعدة في أوقات الطوارئ، التي لا يمكن فيها الحصول على الإحتياجات المطلوبة، مثل إعارة مصاصات الأطفال البلاستيكية والنظارات، تسفير المرضى جواً إلى الخارج، وعلاج الحروق، ورعاية الأطفال المفقودين. وأحياناً تختص المنظمات الخيرية في إعارة في حالات شاذة، من اجل توفير تكاليف مالية لشخص حرفي أو شراء جهاز يكون استخدامه نادراً، مثل بريمة الحفر، وماكينة حلاقة وغيرها. والصيانة الجارية مثل الملابس المستعملة وعلاج الإسنان بأسعار مخفضة وتوزيع سلال غذاء أسبوعية وإقراض أموال بدون فوائد.
هذا ونجد أن المنظمات الإنسانية الداخلية الخاصة بالمجتمع الحريدي تمنح مساعدات أيضا للمجتمع الإسرائيلي الشامل. والأشهر من بين تلك المنظمات هي منظمة كشف هوية ضحايا الكوارث، العاملة في إجلاء الجثث وتحديد هويتها في حالات الكوارث، وأيضا منظمة "إنقاذ" التي توفر خدمة الإسعافات الأولية، وكذلك "يد سارة" التي يترأسها رئيس بلدية القدس السابق أوري لوبوليانسكي، علاوة على منظمتي "مساعدة المعالج" التابعة للحاخام اليملخ بيرر، و"مساعدة من صهيون" التابعة لحننيه تشولك، المتخصصتان في مساعدى المرضى وتقديم الإستشارة لهم. في أعقاب الإنتفاضة الثانية والموجات الإرهابية التي ضربت شوارع إسرائيل حظيت أنشطة أفراد كشف هوية ضحايا الكوارث إلى تقدير الشعب الإسرائيلي.
آراء ووجهات نظر
نظرة عامة:
يمنح الإعتقاد الحريدي شرعية مطلقة للمعتقدات اليهودية التقليدية: التوراة مُنحت للشعب اليهودي من قبل الرب بوساطة موسى، وكل ما هو مكتوب في التوراة يُعد حقيقة مؤكدة، ولا يمكن تفسير التوراة إلا على أساس التوراة الشفهية، مثلما نقلت بواسطة الحاخامات الراحلون والشراح المألوفين على مر الأجيال في إطار التلمود وباقي كتب اليهودية والهلخاه. والإيمان بالثلاثة عشر الرئيسية الخاصة بالرابي موسى بن ميمون يُشكل حجر الأساس في هذا الإعتقاد. والتعليم الحريدي يكرس معظم وقته في تعليم التوراة وتعاليمها. وأمل أي والد حريدي هو أن يواصل أبنه طريق آبائه، وأن يكبر كتلميذ ذكي، أو على الأقل يكون يهودي تقي، يحافظ بدقة على الوصايا ويحدد أوقات للتوراة حتى عندما يخرج للعمل لكسب قوت يومه.
العلاقة مع الصهيونية ودول إسرائيل
   منذ البداية عارضت النظرة الحريدية إقامة دولة يهودية مستقلة بسبب الخوف من رد فعل الأغيار على القومية اليهودية. واعتقد الحريديم أن إقامة دولة يُعد تمرداً على أمم العالم ويُعد بمثابة استعجال قدوم النهاية (محاولة جلب الخلاص بواسطة العامل البشري). ومتنبي هذا الخط (لجنة ساتمر الحريدية والحسيدية) تعارض حتى يومنا هذا قيام دولة إسرائيل. كما أن هناك دوائر حريدية أخرى تعارض قيام دولة ذات طابع علماني بزعم أن ذلك يؤدي إلى تدنيس الإسم ونتيجة الخشية من أن تستخدم الدولة كامل قوتها لفرض نظريات علمانية على الجمهور. لكن مع قيام الدولة تراجعت رابطة إسرائيل عن العزلة التي كانت تميزها في العصور السابقة. ففي تلك الاعوام عمل أيضا حزب عمل رابطة إسرائيل كجزء من الإطار الحريدي الشامل. وكان يعترب حزباً أكثر اعتدالاً وشارك رجاله بشكل نشيط في بناء الدولة، وفي إقامة المستوطنات والكيوبتسات وكذلك اداء خدمة عسكرية قصيرة.
    هذا وقد تغير وضع الحريديم في إسرائيل تماماً خلال حقبة السبعينيات، خاصة في عام 1977 وذلك مع التحول الذي حدث وصعود مناحم بيجين إلى السلطة. فبيجين كان يُكثر من الخطابات ذات الأسلوب الديني، وضم الحريديم إلى حكومته وزاد من الميزانيات المخصصة لهم.  وتم منح اعانة تأمين الدخل حتى للطلاب اليشيفا. بالإضافة إلى ذلك فإن نظام اعانات الأطفال تغير في عام 1975 بواسطة لجنة بن شحر وتم منحها أيضا للأشخاص الغير عاملين.
هذا وشهد عام 1982 تغيراً جوهرياً في توجه المجتمع الحريدي في إسرائيل وفي العلاقات المتبادلة بينه وبين المجتمع العلماني، وبدعم ومساندة من زعيم الفصيل الليتواني آنذاك الرابي اليعازر مان شاخ، تم إقامة حزب شاس الذي فاز بأصوات من خارج القطاع الحريدي أيضا. لكن الأعوام التي أعقبت هذه العام تميزت بحدوث فجوة متزايدة وعميقة بين الحيديم والعلمانيين. وذلك نتيجة لزيادة أعداد الحريديم ونفوذهم السياسي، فالإضافة إلى قضايا الدين والدولة التي تعد اساس الخلاف بينهما، مثل الزواج المدني وبيع الخنزير، طفت قضايا الميزانيات الخاصة بالحريديم وقضية التجنيد في الجيش مراراً وتكراراً على السطح.
التوراة والعمل
التوراة والعمل هو مصطلح يعبر عن العلاقة بين الوقت المخصص لتعلم التوراة والوقت المخصص للعمل لكسب العيش. ولا يوجد بين التيارات الحريدية المختلفة اتفاق وتوافق بشأن الموازنة بين الأمرين. ففي العقود الأخيرة تعاظم الرأي القائل بأن تعلم التوراة هي المهمة الرئيسية لليهودية، حتى لو كان ثمن ذلك هو العيش في حياة الفقر. والحريديم الذين يتبنون هذا المذهب يسعون إلى شغل يومهم بتعلم التوراة، والعديد منهم لا يعمل، بينما تقوم نسائهم بالعمل والإنفاق على البيت.
   وهذه الرؤية التي تفضل بشكل واضح تعلم التوراة عن العمل، انتشرت جداً في إسرائيل، عقب الكارثة النازية، من منطلق نظرية ترى أنه في أعقاب خراب عالم التوراة في أوروبا يجب إعادة بنائه مرة أخرى من خلال خرق التوازن بين التوراة العمل. في الماضي كان معظم الحريديم وكذلك حاخامات بارزين يعملون في أعمال صغيرة، مثل البيع بالتجزئة والتجارة. كما ان الدعم الإجتماعي الحكومي الممنوح المدارس والمعاهد الدينية ساعد كثيراً على تنامي هذا التوجه. وفي مقابل الحريديم الذين يعيشون في إسرائيل نجد أن الحريديم الذين يعيشون في الخارج يميلون أكثر إلى المشاركة في سوق العمل.
في نهاية حقبة التسعينيات بدأت تتعلى العديد من الأصوات داخل القطاع الحريدي المطالبة بالخروج إلى العمل وتعلم المهن الحديثة. وهذا الأمر نبع في الأساس من الازمة الاقتصادية المتزايدة، ومن صعوبة إقامة عالم التوراة الذي وصل لمستويات كبيرة. وفي أعقاب ذلك تم افتتاح معاهد متخصصة في مجالات مثل المحاماة ومراجعة الحسابات وإدارة الأعمال والهندسة المعمارية، وعلوم الحاسب الخ. مخصصة لأبناء القطاع الحريدي وتتوافق مع أسلوب حياتهم.
التعليم الحريدي:
يتركز التعليم في مؤسسات التعليم في الأساس على الحفاظ على الوصايا و"روح التوراة" حسب رؤية المجتمع الحريدي،  والهدف من تعليم الأولاد هو تطلع الآباء الحريديم إلى أن يكبر أبنهم  ليكون "تلميذا ذكياً ويخاف الرب بالمحافظة على الوصايا الصعبة منها والسهلة ويحدد أوقات للتوراة" وينظر الحريديم إلى التعليم الحريدي بإعتباره إستمراراً مباشراً للتعليم اليهودي مثلما كان قائماً في الشتات وبالتوافق مع النظرة الدينية التي تقول أن غاية اليهودي هي "التقرب من الرب والتمسك بطريقه" والإبتعاد عن "ضلال الحياة الدنيا" ، ونتيجة لأنهم ينظرون إلى وصايا تعلم التوراة كهدف، فإنهم يخصصون معظم الساعات الدراسية الخاصة بالجنس الذكوري لتعلم التوراة. وهم لا يرون داعي إلى تعلم علوم أخرى مثل الرياضيات والفيزياء المستمدة من الثقافة الغربية (التي يطلقون عليها الثقافة اليونانية) التي لا يتوافق هدفها مع المحافظة على الشريعة الربانية و"روح سلف إسرائيل" ويُكفتى بتعلم أساسيات الجبر. وبسبب الخوف من من التأثير السلبي المحتمل للثقافة الغربية على الجيل الحريدي الجديد (مثل حركة التنوير) يمتنعون في الغالب عن تعلم المهن ويحظرون قراءة الكتب التي لم تُكتب بشكل خاص من أجلهم. بينما أهداف التعليم للبنات تختلف وذلك لأن الفتاة تنشأ لتصبح "زوجة صالحة لزوحها" وتساعد في تربية وتعليم الأولاد. فيتم التركيز على تعليمهن الحشمة ويتم تعليمهن العلوم المقدسة بصورة مغايرة وبدون أن يتعلمن الجمارا.
    الخطط الدراسية في الكتاتيب والمدراس الدينية تُحدد بشكل ذاتي بواسطة الطاقم التعليمي الخاص بالمؤسسة بالتوافق مع التيار الذين ينتمون إليه بينما العامل المشترك بينهم يتمثل في طول اليوم الدراسي الذي يخصص معظمه للتعلم المواد المقدسة.   
     في مدارس التعليم الأساسي في القطاع الحريدي يتعلمون أيضا "مواداً علمانية" وبهذا الشأن يجب أن نفرق بين "الكتاتيب" التي كتفون فيها بتعليم الحد الأدنى من المواد العلمانية (مستوى بسيط من اللغة العبرية وأساسيات الإنجليزية، وأحياناً القليل من جغرافيا وتاريخ شعب إسرائيل)، وبين مدارس التعليم المستقلة التي يوجد بها إطار أوسع من المواد الدارسية العلمانية. ونجد أن أعداد المشرفين على مؤسسات التعليم الحريدي ضئيل جداً، لذلك فإن التناسب بين عدد المشرفين وبين عدد المؤسسات التي يتم الإشراف عليها أقل بكثير من النسبة المألوفة في مؤسسات التعليم الرسمية (فعلى سبيل المثال مشرفة واحدة لأكثر من 1000 دار حضانة أطفال، ومشرفة واحدة لكل 130 مدرسة تعليم أساسي للفتيات).
     نسبة الولادة المرتفعة في القطاع الحريدي يؤثر بشكل مباشر على زيادة نسب التلاميذ في المؤسسات الحريدية، ووفقاً لتقديرات المكتب المركزي للإحصاء، في عام 2012 ستصل نسبة التلاميذ في القطاع الحريدي الرسمي إلى 22.4% من إجمالي التلاميذ في التعليم الأساسي و 30.9% من إجمالي التلاميذ في التعليم الأساسي في القطاع اليهودي.
   تسلسل االمراحل الدراسية للتعليم الحريدي للأولاد هو كالآتي: كُتّاب التوراة (من عمر 3-13) يشيفا صغيرة (عمر 14-17) ، يشيفا كبيرة (عمر 18 وحتى الزواج). ووفقاً لتسوية إلغاء التجنيد الخاصة بتوراته عقيدته، يحظى الدارسون في اليشيفا الكبيرة بإلغاء التجنيد. وبعد انتهاء التعليم في اليشيفا يتم تسجيل العديد من المتزوجين في معاهد دينية ، يتشابه وضعها مع وضع اليشيفا من اجل إلغاء التجنيد. ومعظمهم يواصل تعليمه حتى الشيخوخة. وفي بعض القطاعات الحسيدية (مثل حسيدية جور وحسيدية حباد) ليس من المألوف التعلم طوال العمر في المعاهد الدينية، وعدد من الذين ينهون تعليمهم في تلك المعاهد يؤدي الخدمة العسكرية في جيش الدفاع الإسرائيلي  وفقاً لقدراتهم ووضعهم الأسري، وبعد إنتهاء خدمتهم العسكري يندمجون في سوق العمل.
الكتاتيب:
    في في أعقاب تطلع المجتمع الحريدي لتكريس أقصى جهده في تعمل التوراة والرغبة في الإنفصال التام عن التعليم الرسمي المتبع في المدارس الرسمية، أقام الحريديم مؤسسات تعليم خاصة تسمى "تلمودي توراه" أو "حيدر" (وهي تشبه الكتاتيب التي كانت منتشرة في العالم الإسلامي).
وأسلوب التعليم المتبع في هذه المؤسسات يتميز بالتركيز على المواد المقدسة التي تتضمن في الأساس تعلم الجمارا، وإهمال المواد العامة. ومعظم الكتاتيب تستمر الدراسة بها حتى ساعات المساء لإستغلال اليوم بكامله تقريباً في دراسة التوراة. والأطفال من عمر 8 سنوات وأكثؤ ينهنون دراستهم يومياً في الساعة الثالثة. وفي الفصول الدراسية المرتفعة تنتهي الدراسة في الساعة السادسة. وهناك أطفال كثيرون يتوجهون بعج انتهاء اليوم الدراسي إلى "المتميديم" (وهي دوائر دراسية خارجية تقوم بمراجعة المواد المقدسة خارج إطار المدارس).
بيت يعقوب
مثلما لدى الأولاد، أيضا لدى الفتيات كان هناك حاجة إلى أقامة شبكة مؤسسات تعليمية للبنات تكون منفصلة عن التعليم الرسمي، لكي يتم تربية الفتيات على الإحتشام،وللإشراف على المواد العامة التي تتوافق مع روح الشريعة.
     ولتفير هذه المطالب، تم في النصف الأول من القرن العشري، وبمبادرة من سارة شنيرر، تم إنشاء شبكة "بيت يعقوب" لتعليم االفتيات، وتطورت بسرعة وأصبحت تضم حالياً مئات المدارس في شتى أنحاء العالم.
وحالياً في إسرائيل، يُطلق على جزء من الكتاتيب التابعة لشبكة التعليم المستقل يُطلق عليها "بيت يعقوب للأولاد".
اليشيفوت الصغيرة والكبيرة:
على مر الأجيال شكلت اليشيفا المركز الروحاني والطائفي الخاص بيهود الطائفة. وعلى مر الأعوام تم إنشاء يشيفوت في أرض فلسطين وفي أوروبا. ومعظم اليشيفوت التي كانت في أوروبا تم تخريبها ولم ينججوا منها سوء القليل. وبعد المحارق النازية تم إقامة يشيفوت جديدة في أرض فلسطين على أيدي الناجين وتم تسميتها يأسماء اليشيفوت السابقة. ويقوم الطلاب في اليشيفا بإستغلال يومهم بالكامل في تعلم التوراة. وتستمر الدراسة في اليشيفا في فترة المراهقة وتكون على حساب دراسة المواد العامة والأكاديمية. وتنقسم إلى شعبتين: "يشيفا صغيرة" يدرس بها الصبية في أعمال 13-16 سنة و"يشيفا كبيرة" ينتقل إليها الصبية الذين انهوا دراستهم في اليشيفا الصغيرة (في سن السادسة عشر تقريبا). وبعد الزواج ينتقل العديد من الطلبة للتعلم في "معهد ابريخيم" التي يكون في أغلب الأحيان ملاصقاً لليشيفا الكبيرة.
اليوم الدراسي في الشيفيا مشحون، فهو يبدأ فور صلاة الفجر ووجبة الإفطار وتنتهي في حوالي الساعة الحادية عشرة ليلاً. وخلال اليوم تقدم اليشيفا ثلاثة وجبات وهناك راحة وقت الظهيرة. في اليشيفوت الكبيرة وفي عدد من اليشيفوت الصغيرة يوجد سكن داخلي لخدمة الطلاب الذين يدرسون في أماكن بعيدة من منازلهم. وإجمالي متوسط ساعات الدراسة الرسمية في اليوم هو حوالي 9 ساعات دراسة صافية.
المعاهد الدينية (كوليل):
الكوليل هو مؤسسة تهدف إلى تدريس الأفروخيم (خريجي اليشيفا) ومكافأتهم طبقاُ لإتفاق يشسخر فوفولون. والطلاب المسجلين في المعهد يتعهدون بالإلتزام باالنظام الدراسي المتبع به،  هناك أنواع مختلفة من المعاهد الدينية التي لكل واحد منها هدف ونظام دراسي مختلف. ويحصل الدارسون في المعهد معاشاً يأتي جزء منه من المخصصات الحكومية وجزءها الآخر من أموال التبرعات. والتحاق الطلاب بالمعاهد الدينية يمنع الحريديم من إمكانية تعلم المواد الأكاديمية ويبعدهم عن سوق العمل العام.
 وفقاً لمناحم فريديمان فإن مجتمع المتعلمين  تم على خلفية مجتمع الربح الغربي الحديث. فقط المجتمع الثري يمكنه تطوير منظومة معقدة من العلاقات المتبادلة والتبعية مع الأقلية، والشيء الذي يميز مجتمع المتعلمين الحريدي عن المحيط اليهودي العلماني أو الحديث هو أنه أخذ على عاتقه مسئولية ضمان حد أدني من المعيشة لكل سكانه من ناحية ويسمح للنساء للعمل وكسب الرزق في مجتمع المتعلمين من ناحية أخرى.
انتشار اليهودية الحريدية
التجمع الأكبر للجمهور الحريدي في عصرنا هذا موجود في إسرائيل، وثاني أكبر تجمع موجود في الولايات المتحدة، ويتركزون في ولاية نيويورك بحي بروكلين الواقع بمدينة نيويورك. وفي كلا التجمعين نجد أن كل من القطاع الحسيدي والليتواني تتناسب أعدادهم على ما يبدو. كما توجد جاليات حريدية ضخمة في كل من كندا وفرنسا وبلغاريا واستراليا وبريطانيا وعدد من الدول الأخرى.
يميل الحسيديم الامريكيين أكثر إلى التجارة والحرف اليدوية، بينما نجد أنه من المألوف أن نجد بين الليتوانيين والأمريكيين وحسيدي حفاد في الولايات المتحدة أقلية تكرس سنوات طوال في التعليم الديني. وهناك تجمعات من الطلاب تتمركز حول المدارس الدينية "اليشيفوت" مثل يشيفا ليكوود (التي تُعد ثاني أكبر يشيفا في العالم)، لكنهم ليسوا بأعداد ضخمة مثلما في إسرائيل.
هذا ونجد أنه من أكبر التيارات الحسيدية خارج إسرائيل، حسيدية حفاد، وحسيدية ساتمر. وبينما نجد أن الأولى تظهر انفتاحاً كبيراً على العالم وتتدخل بشكل عميق –حسب رأي معارضيها- في شئون دولة إسرائيل، فإن حسيدي ساتمر، الذين يتواجد معظمهم في الولايات المتحدة، يُعدون متشددين في أسلوب حياتهم ويعادون الصهيونية بشدة. لكنهم ليسوا مثل حسيدي ساتمر في إسرائيل، الذين يتعلمون الحرف وأيضا يلتحقون بالتعليم الأكاديمي ويخرجون إلى سوق العمل في أعمار صغيرة نسبياً مقارنة بأعمال المنضمين إلى سوق العمل من وسط القطاع الحسيدي في إسرائيل.

الديمغرافية السكانية:
تُقدر الإحصائيات المختلفة التي نشرها المكتب المركزي للإحصاء عدد الحريديم في إسرائيل في عام 2006م بما يتراوح ما بين 450-800 ألف، وهناك بحث أجراه المعهد الديمغرافي يُقدر عدد الحريديم في عام 2010م بحوالي 736.000 نسمة، ويتوقع أن يتجاوز عددهم المليون في عام 2022م، ووفقاً لتقديرات الباحثين فإن اليهودية الحريدية تتضاعف أعداد اتباعها كل 20 سنة ولذلك فإنها ذات نمو ديمغرافي يُعد من الأعلى في العالم. وذلك نتيجة لأن الجمهوري الحريدي من قيمه العليا كثرة الإنجاب، لذا فإن الأسر التي يزيد عدد أفرادها عن اثنا عشر طفلاً ليس أمراً نادراً وسط المجتمع الحريدي. بينما نجد أن نسبة الإنجاب منخفضة لدى القطاع الحريدي الحديث. ووفقاً لتقديرات البحث فإن أعداد السكان الحريديم في إسرائيل سترتفع خلال الأعوام القليلة القادمة بسرعة وحتى عام 2020م ستشكل ما يقرب من 17% من إجمالي عدد السكان.
إسرائيل:  
في دولة إسرائيل، 9% من إجمالي القطاع اليهودي (من عمر 20 سنة وأكثر) يصفون أنفسهم بأنهم "حريديم". والحريديم في إسرائيل يمتنعون بوجه عام عن الخدمة بجيش الدفاع الإسرائيلي ويتميزون بإنخفاض نسب العمل بينهم نسبياً، سواء بالمقارنة بباقي السكان أو بالمقارنة بالتجمعات الحريدية الأخرى في العالم، وذلك بسبب الساعات الطويلة التي يقضونها في تدارس التوارة.
ومن السمات  الاخرى الخاصة بهذا القطاع هي ارتفاع معدلات الإنجاب، والزواج في سن صغير نسبياً وانخفاض معدلات الطلاق.
ويقيم معظم السكان الحريديم في إسرائيل في مدن وأحياء منفصلة ويصوتون في انتخابات الكنيست في الأساس لحزبين هما يهودية التوراة وشاس.
وتُعد دولة إسرائيل بمثابة البيت والمقر الطبيعي لليهودية الحريدية وبها أكبر تجمع للسكان الحريديم. وصحيح أنه في عام 2010م قُدر عدد السكان الحريديم في إسرائيل بحوالي 736.000 (من بين 6 ملايين يهودي إسرائيلي).
في القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين، ومع صعود الصهيونية، رفضت الغالبية العظمى من اليهود الحريديم الصهيونية لعدة أسباب كان من أهمها الإعتقاد بأن استقلالية الدولة اليهودية لا يجب أن يتحقق إلا عن طريق التدخل الإلهي، مع قدوم المسيح. وأي محاولة لتغيير مجرى التاريخ، وخاصة عندما يتم هذا الأمر على يد شعب من الجماهير العلمانية أو الغير يهودية، يُعد بمثابة تمرد علني ضد اليهودية، لكن بعد إقامة دولة إسرائيل تغيرت علاقة معظم الحريديم تجاهها، وهي العلاقة التي التي شهدت تحولات عديدة، وحالياً الطائفة الحريدية في إسرائيل تناضل من أجل نيل حقوقها على الساحة السياسية وتنظر إلى نفسها بإعتبار أن دورها هو حماية الطابع اليهودي للدولة، لكن في نفس الوقت تتبنى سياسة الإنفصال الثقافي عن الدولة وعن رموزها القومية. في المقابل يعترف الحريديم بالعداء الذي يكنه بعض الحريديم تجاههم ويحاولون تحسين صورتهم وسط الجماهير العريضة.
الغالبية العظمى من اليهود الحريديم هم اشكناز، أو من مهاجري الدول العربية، والبلقان وشبه جزيرة ايبيريا، الذين فضلوا أسلوب الحياة ونظام الزي ونظام الدراسة الليتاوني. مع ذلك حوالي 20 % من السكان الحريديم ينتمون بصورة أو بأخرى للتيار الحريدي السفردي.
بسبب تفضيلهم تعلم التوراة عن كسب العيش وبسبب كثرة الأطفال، نجد أن الحريديم فقراء نسبياً مقارنة بالإسرائيليين الآخرين، لكن على الرغم من ذلك هم يشكلون قطاع استهلاكي هام. في العام الأول للدولة تركز غالبية الحريديم في مدن القدس وبني باراك، لكن معدل الزيادة السريع للسكان الحريديم وارتفاع اسعار العقارات في تلك المدن اضطروا إلى البحث عن حلول أخرى وذلك في مدن كان يوجد بها في البداية تجمعات صغيرة من الحريديم (مثل أسدود وحيفا)، فتطورت أحياء ذات طابع حريدي أقيم بها بمرور الوقت مدارس، ومعابد وبرك تطهر شرعية وفقاً لإحتياجات الطائفة.
خلال حقبتي الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين تم إقامة مستوطنات أخرى خصصت منذ البداية للحريديم (معظمهم خارج الخط الأخضر) وصحيح أن ثلاثهم منها، هي موديعين عيليت وبيتار عيليت والعاد، حصلت اليوم على وضع مدينة. وبالإضافة إلى ذلك تطورت تجمعات حريدية بارزة وانتشرت في شتى انحاء الدولة وأصبح الحريديم يشكلون 10% من السكان الآخرين في المدن. ويفضل الحريديم حالياً السكن المنفصل وتعمل في المستوطنات الحريدية لجان قبالاة.
يوجد بين الحريديم والصهيونية الدينية أو اليهودية الدينية القومية، فئة من اليهود الأرثوزكسية يُطلق عليها "الحريديم القوميين" الذين يدمجون الصهيونية الدينية بالتمسك الصارم بالشريعة.
الولايات المتحدة:
الولايات المتحدة هي ثاني أكبر معقل للطائفة الحريدية وفي عام 2006 قدر عددها وفقاً لتقديرات الباحثين بحوالي 468.000 نسمة. والتواجد الحريدي كان متواجداً في الولايات المتحدة بالفعل منذ بداية القرن العشرين، إلا أن الجماعات المختلفة بدأت في التبلور في طوائف مثلما هي اليوم فقط في حقبة الخمسينات من القرن العشرين، بعد التدفق الكبير للاجئي المحارق النازية في شرق أوروبا، وهي الهجرة التي لعبت سريعاً أدواراً قيادية وسياسية.
بين موجهات الهجرة  الخاصة بيهود الولايات المتحدة خلال العشرين عاماً الأخيرة من القرن التاسع عشر قام السكان –الذين أصبحوا أثرياء-بالبحث في أوروبا عن معلمين ربانين وزعماء روحانيين لصالح طوائفهم.  وبينما استجاب عدد من الربانين لهذا التحد، إلا أن عدداً منهم عادوا إلى أوروبا بعد وقت قصير بسبب إحباطهم من الوضع الروحاني المتدني الذي ساد في الولايات المتحدة. والأمر الذي يختلف عن شرق أوروبا، حيث شكل اليهود هناك جماعات أقلية واضحة. هذا وقد منحت أمريكا اليهود فرصة للإنصهار داخل الثقافة السائدة. وكثير من المهاجرين الجدد أهملوا زعمائهم التقليدين وتركوا قوانين الدين، سواء بإختيارهم (عرضت الولايات المتحدة عليهم فرصة للهروب مما يعد في أعينهم إضطهاداً مرتبطاً بهويتهم الدينية) أو بدون اختيار (اليهود الذين رفضوا العمل في يوم السبت كانوا يجدون أنفسهم دائماً مفصولين من العمل في نهاية أول أسبوع عمل لهم)
مجموعات الحريديم الذين تم تهجريهم إلى أمريكا عقب المحارق النازية وجدوا بها بنية تحتية دينية وإجتماعية نشطة.  في الوقت الذي خشوا من الإنصهار في المجتمع الأمريكي، ومن التأثيرات إقامة أي علاقة مع المجتمع المحيط. وكلما زاد ثراء الطوائف الحريدية كلما زاد تأثيرهم وكلما تمكنوا من تولي المزيد والمزيد من المناصب ذات نفوذ وتأثير بلدي وسياسي. وحالياً توجد جاليات حريدية حديدة تتمتع بحكم مستقل في مناطق مثل بوروبارك، ويليامسبرج، وكراون هيتس ببروكلين،  وأيضا في الآونة الأخيرة الجالية المقيمة حول يشيفا ليكوود في نيو جيرسي، لها إقتصادها الخاص ومنظومات التعليم الخاصة بها (اليشيفا)، ومؤسسات تنمية ومؤسسات خيرية وخدمات طبية (مثل منظمة الإنقاذ)، والأمن (دوريات حراس الحي). والقطاع الأصغر ، الحسيدين، أساس عملياً بلدات خاصة بهم، مثل نيوسكوير وكريات يوئيل،  وفي نموذج مشابه لتلك الطوائف التي كانت في أوروبا. بالإضافة إلى ذلك هناك طوائف أخرى، أصغر، منتشرة في أرجاء الولايات المتحدة، لم يكن لديها في البداية مؤسسات مثل التي أُقيمت على يد الطائفة الموجودة في نيويورك، لكن في نهاية الأمر نجح هؤلاء أيضا في إنشاء مثل تلك المؤسسات في أماكن إقامتهم، وذلك للحفاظ على عزلتهم الثقافية.
أوروبا
تنتشر في أنحاء أوروبا جاليات حريدية بأحجام متفاوتة أكبرها موجود في بريطانيا وفرنسا.
وفقاً للإحصائيات التي أجريت في عام 1998م، فإن الجالية الحريدية في بريطانيا تُقدر بحوالي 27.000 من بين 200.000 يهودي متدين. مع ذلك، فإن البحث الذي أُجري في عام 2007 في جامعة منشستر زعم أن ثلاثة من بين أربعة رضع ولدوا ليهود بريطانيين هو حريديم، الذين يُقدر عددهم بـ 45.500 من بين حوالي 275.000 يهودي في بريطانيا، أو 17%. وهناك بحث مشترك آخر أجري في عام 2010م حدد أنه يوجد 9049 حريدي يعملون في الأعمال المنزلية في بريطانية، ووفقاً لهذا الإحصاء فإن السكان الحريديم يقدر عددهم بما يقرب من 53.400 أو 20% من إجمالي الجالية اليهودية في بريطانيا. وفي غضون حوالي ثلاثة عقود، فإنه من المتوقع أن تصبح الطائفة الحريدية أكبر الطوائف اليهودية في بريطانيا. وفي مقابل متوسط 2.4 طفل للأسرة البريطانية، نجد أن متوسط الأطفال في الأسر الحريدية يصل إلى 5.9 طفل.
وتقيم أكبر الجاليات الحريدية في لندن وجيتشيد. وغالبية الحريديم في بريطانيا هم مهاجرين من دول أوروبا الشرقية. والجالية الحريدية في لندن منظمة بمجموعات باسم الإتحاد الأرثوزكسي للجاليات العبرية (UOHC).  ويوجد في بريطانيا مئات المعابد (معظمها صغيرة جداً)، كتاتيب للتوراة، ومدارس للبنات، ويشيفا، وبرك طهارة ومعاهد دينية. وفي محيط المناطق السكنية الخاصة بالحريديم تنتشر عشرات المحال التي تبيع الطعام المطابق للشريعة اليهودية، والمخابز، وبدرجة أقل أيضا مطاعم.
في فرنسا يُقدر عدد الحريديم بحوالي 25.000. وتتواجد أكبر الجاليات الحريدية في باريس، وليون وستراسبورج. وغالبية الحريديم الفرنسيين حالياً تعود أصولهم إلى أمريكا الشمالية.
وهناك جاليات اخرى (في الأساس اشكنازيم) تتواجد في أنتويرب، وأمستردام وزيورخ وبازل.
فصائل رئيسية في الطائفة الحريدية
قد تبدو الطائفة الحريدية متجانسة في أعين الناظر إليها من الخارج، لكن عملياً هي مكونة من فصائل ثانوية عديدة.
الليتوانيون:
أكثر التيارات الحريدية تجانساً هو التيار "الليتواني"، "فرع تاريخي لحركة معارضة الحسيدية من مدرسة الرابي حاييم مفلفجين، التلميذ الكبير للجاؤون مفيلنا". وبإقام أول يشيفا (يشيفا فلفجون) أوجد المصطلح المميز الذي يصف من وجهة نظره الجمهور الحريدي  الليتواني (عالم اليشيفوت) وبمرور الأعوام تطورت داخل اليشيفا "حركة الأخلاق" التي أسسها الرابي يسرائيل مسلنت، التي تصف "ابن اليشيفا" بأنه الذي يُحسن من مستواه بالإضافة إلى تعلمه التوراة، الأمر الذي أدى إلى تلقيب الشاب الليتواني باللقب الخاص "ابن يشيفا"
في داخل هذا التيار هناك عدة فصائل، الإختلافات بينهم ليست واحدة، ويتم قيادتهم بواسطة "الكبار"-من الزعماء الرئيسيين للتيار الليتواني حالياً الرابي يوسف شالوم اليشيف والرابي أهرون ليف شتينمان والرابي حاييم كنيفسكي الذين على ما يبدو أنهم هم الزعماء الأكثر تأثيراً في العالم الحريدي. وبفضل التأثير القوي لهؤلاء الزعماء فهم يشكلون بدرجة كبيرة عقليات الجمهور الليتواني. وفي الماضي كان هناك فارقاً واضحاً بين شكل الزعامة لدى الحسيديم على يد الحاخامات وبين شكل الزعامة لدى "الليتوانيين" على يد "الكبار". فزعماء الليتوانيين لم يكونوا يتدخلون في شئون الحياة اليومية للجمهور، وكان يتوجه إليهم فقط في المسائل الهامة لإتخاذ قرار بشأنها، في مقابل أن الحاخامات كانوا يتدخلون في جميع الأحداث والآن نجد أن تلك الفوارق لم يعد لها وجود وأصبح العديد من الجمهور الليتواني يتوجه إلى "الكبار" في أي شأن مثل الحسيديم الذين يتوجهون إلى الحاخامات.
فزعماء الليتوانيين لم يكونوا يتدخلون في شئون الحياة اليومية للجمهور، وكان يتوجه إليهم فقط في المسائل الهامة لإتخاذ قرار بشأن كل تفاصيل الحياة الحسيدية وكانوا يصدرون قراراتهم بشأن كل تفاصيل الحياة الحسيدية وكانوا يتدخلون في جميع الأحداث. والآن نجد أن تلك الفوارق لم يعد لها وجود وأصبح العديد من الجمهوري الليتواني يتوجه إلى "الكبار" في أي شأن، مثل الحسيديم الذين يتوجهون إلى الحاخامات.
وبناء على هذا أصبح المخلصين للكبار أصحاب مراكز قوة ونفوذ –فعلى سبيل المثال، نجد أن أحد الشخصيات الأكثر نفوذاً في الجمهور الليتواني هو الرابي يوسف افرتي، الذي يُعد أهل ثقة الرابي اليشيف.
يتميز الليتوانيين في تراثهم بالتعليم المنهجي للتلمود وتفاسيره. والتناخ في حد ذاته لا يتم تدريسه في اليشيفا الليتوانية، ولا حتى القبالاه أو الفلسفة اليهودية، والمادة الأخرى التي تُدرس في اليشفيا هي الأخلاق. والامر يتعلق هنا بدراسة قصيرة نسبياً تصل لنصف ساعة يومياً لكتب الأخلاق وكذلك أحاديث من فم ناظر اليشيفا تتعلق بالمسائل الأخلاقية، وصحيح أن هذا الأسلوب انتشر بشدةة في أوساط الليتوانيين الذين ينظرون إلى الكتاتيب بإعتبراها غاية أسمى من أي غاية أخرى، وذلك على الرغم من وجود بين هذا القطاع من يعمل ليكسب قوت نومه.
الحسيديم:
هناك تيار كبير آخر هو التيار الحسيدي، لكنه منقسم لفصائل مختلفة. فالحسيديم يمتازون بوجه عام بأنهم محافظون بشدة، لكن نسبة الدارسين الذين "توراتهم عقيدتهم" ضئيلة جداً لديهم، وذلك بتأثير الأيديلوجية الحسيدية التي لا تهتم بالحياة الروحانية في حد ذاتها بل بتقديس الحياة العملية.
لكل طائفة من الطوائف الحسيدية زعيم "حاخام" (يُطلق عليه أدمور –اختصار لسيدنا ومعلمنا ورابينا)، وهذا المنصب يتوارث في معظم الفصائل داخل الأسرة، من خلال  سلسلة عائلية محددة للحاخامات وهو أسلوب "ملكي" أقل ظهوراً لدى الليتوانيين وهناك طوائف حسيدية عديدة تدير مؤسسات تعليمية وخيرية مستقلة خاصة بها، أبرزها حسيدية جور، المعروفة بنظامها الصارم، والتشدد في المسائل الشخصية وبالمشاركة السياسية والإجتماعية المرتفعة. وهناك حسيديات كبيرة أخرى في فيزنيتس، وساتمر وبعلز. وبوجه عام يتزوج أبناء الحسيديات الكبرى من بنات نفس الفصيل.
أسماء الحسيديات هي بوجه عام أسماء البلدات الأوروبية التي كان يقيم بها في السابق حاخام الحسيدية (أو أحد سلفه) وكانت مركزاً لأنشطته الرئيسية، لكن في عصرنا هذا يقيم معظم الحاخامات في إسرائيل أو في الخارج بعيداً عن المدينة التي سُميت الحسيدية باسمها.
أما الحسيدية الأكبر التي لها سمات مميزة تختلف عن باقي الحسيديات، فهي حسيدية حباد، التي ليست مثل سائر الحسيديات الاخرى التي تستقل بأحياء سكنية حريدية خاصة بها، فحسيدي حباد منتشرين في شتى انحاء إسرائيل والعالم. وتكثر الحسيدية أيضا من انشطتها الإعلامية وتعليم قيم اليهودية لسائر السكان اليهود في إسرائيل وفي العالم. وكجزء من نشاطاتها هذه نجدها تدير دور حباد أيضا في دول العالم الثالث لكي تمكن كل يهودي علق هناك من أن يقيم "ليلة الفصح" كما ينبغي ولكي يتعلم التوراة وكل شأن آخر يتصل باليهودية. وحسيدي حباد يعدون أكثر انفتاحاً مقارنة بالحريديم الآخرين. والعديد منهم يخدمون في جيش الدفاع الإسرائيلي، ويتكسبون قوتهم بالعمل، ومتواصلين مع الواقع الإسرائيلي.
(السفرديم) الحريديم من طوائف الشرق
في إسرائيل عدة فصائل خاصة بالحريديم السفرديم. وإحدى الفصائل الصغيرة هي الطائفة الحريدية السفردية التي تأسست على يد الرابي يعقوب موتسفي، والقريبة في آرائها من الطائفة الحريدية ومن ناتوري كارتا. فأتباعها لا يشاركون في انتخابات الكنيست ومنظومة التعليم الخاصة بهم لا تحصل على ميزانيات حكومية. ويوجد لدى الطائفة الحريدية السفردية محكمة خاصة بها، يترأسها الرابي أهرون عزرائيل، ابن شقيق الرابي الرئيسي السابق يتسحاق نيسيم. والفصيل الأكبر قليلاً، يسمى "جامعي التوراة السفرديم"، وهو يشبه كثيراً الليتوانيين. والفصيل الثالث والاكبر هم السائرون على خُطى اليشيفوت العتيقة الخاصة بالإستيطان القديم بالقدس، وعلى رأسها يشيفا بورات يوسف. في مستهل حقبة الثمانينيات بدأ رجل هذه المجموعة في تطوير لأنفسهم بنية تحتية سياسية على خلفية شكوات بشأن التمييز الحريدي الداخلي، المتمثلة على سبيل المثال في "كوتة" لتحديد حد أقصى لعدد التلاميذ الحريديم السفرديم في مؤسسات الحريديم الإشكناز. والشعور بهذا التمييز كان من الأسباب الرئيسية لإقامة الإطار التعليمي الحريدي الشرقي المنفصل الخاص بحركة شاس، والخاص بالمؤسسات التعليمية الكبرى الخاص بها "ينبوع التعليم المناوب" و "ايل همعين".
أيضا على المسار الديني السفردي ينقسم لعدة قطاعات، لكن من الصعب منح تقديرات دقيقة تجاه حجم كل قطاع.
الجماعة الأولى تسير على ضوء شريعة الرابي عوفيديا يوسف، التي نُشرت في سلسلة كتب "مختارات يوسف" وهذا الأمر أدى إلى انتشار تلك الشرائع، وإلى تعاظم قوة وتأثير الرابي يوسف.
الجماعة الثانية تسير على ضوء الـ"ابن رجل حي"  -الرابي يوسف حاييم من بغداد- الذي كان كبير رباني العراق في القرن العشرين- وضم في أحكامه مواد مؤسسة على القبالاه والرابي يتسحاك،  وهي تظهر في كتابه "ابن رجل حي" الذي تم قبوله لدى طوائف الشرق خاصة لدى طوائف بابل وحلب. وأتباع "ابن رجل حي" في القدس هم الربانين بن تسيون آفا شاؤل، الذي كان رئيس يشيفا بورات يوسف، والرابي مردخاي الياهو.
الجماعة الثالثة تسير على ضوء الجاؤون الرابي شالوم مشاش، الذي كان لسنوات طويلة رئيس الربانية الرئيسية في المغرب والرابي السفردي للقدس.
الجماعة الرابعة تسير على خطى حاخامات تونس وجربا، الرابي متسليح مازوز الملقب بـ"رجل متسليح" (على اسم كتابه)، وابن الرابي مائير مازوز رئيس يشيفا (كيسا رحميم-مقعد الرحمات) الموجود في بني باراك.
الجماعة الخامسة هي تلك الخاصة باليمنيين الذين كانوا وسيظلون دائماً فئة مستقلة داخل الجمهور السفردي، ولم يقبلوا لأنفسهم رابي أو معلم آخر غير المرشدين والمعلمين اليمنيين، وعلى رأسهم الرابي يوسف تسوفير، الذي كان الرابي الرئيسي ليهود اليمن في تل أبيب ويافا المناطق المحيطة بها.
الطائفة الحريدية:
أتباع "الطائفة الحريدية"، يعدون استمراراً للإستيطان العتيق، ويتحدون في معارضتهم الشديدة للصهيونية، وغالبيتهم مخلص لحسيدية ساتمر، وحسيدية تاريخ أهرون، وحسيدية تاريخ ابراهام يتسحاك، وحسيدية دوشينسكي، وجمهور حسيدي القدس (شراح حسيدية كارلين ستولين)، ومشكنوت هروعيم، وحسيدية برسلاف مائة شعريم، والزُهاد (تلاميذ الجاؤون مفيلنا). والشيء الذي يميزهم هو المعارضة الشديدة للمعمل الصهيوني والنظر إليه بإعتباره أساس كل شر في حياة الشعب اليهودي في الأجيال الأخيرة. وأبناء الطائفة الحريدية يرفضون الحصول على ميزانيات تعليمية من الدولة، وبعضهم يرفض أيضا الحصول على مخصصات التأمين القومي. وهم لا يشاركون في الإنتخابات ومنهم كذلك من يجتهدون في الإمتناع عن دفع الضرائب، ورفض التجنيد.
وتشدد اتباع الطائفة ، خاصة الفصيل الفرعي "ناتوري كارتا أو أمناء الهيكل" جلب عليهم مواجهات شديدة وعنيفة مع الفصائل الاخرى، الأكثر اعتدالاً، مثل بلعز، ومؤخراً أيضا التيار الليتواني. وبشكل خاص أثار حفيظتهم تأييد الرابي شتينمان بمبادرة الشباب الطلاعي المحارب (نحال) الحريدي. ومعظم الحريديم يتنكرون تماماً من أفعال ناتوري كارتا ويحاولون توضيح للجمهور العام الفروق بين الجمهوري الحريدي العام وناتوري كارتا التي تشكل أقلية متطرفة وصغيرة في هذا المجتمع.
جمهور "الطائفة الحريدية" ليست كبيرة ولا يزيد تعدادها عن 10.000 شخص، لكن صوته يُسمع له جيداً. ومصدر دخلها الأساسي هو سلطة الترخيص المزدهرة الخاصة بها (المحكمة الشرعية). فالإشراف على مطابقة الطعام للشريعة اليهودية الخاصة بالمحكمة الشرعية التابعة للطائفة الحريدية تحظى بشعبية كبيرة جداً أكثر من باقي الفصائل المنافسة، وهي تُعد مقبولة من قبل الدوائر الحيدية. وهناك من ينظر إلى موافقة المحكمة الشرعية منح صلاحية لدوائر تنتمي إلى الصهيونية ومع المستوطنات العمالية (الكيبوتس) مثل شركة "تنوفا"، بمثابة تسوية ايديولوجية معينة.
الحريديم الحديثين:
في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين وُلدت ظاهرة في أوساط الجمهور الحريدي الخاص بالحيديم الذين يلقبون أنفسهم بالحريدين الحديثين. والموضوع يتعلق بشخص حريدي وفقاً لإنتمائه الإجتماعي، المرتدي ملابس حديثة وتساير الموضة، ويرغب في أن يكون متصل بالمجتمع الحديث.         
وبوجه عام يمكن أن نرى بين الجمهور الحريدي توجهاً للإندماج في المجتمع الإسرائيلي. وذلك من منطلق أن هذا التقارب لا يوجد به ما يضر بالمحافظة على الوصايا وإقامة الشريعة.
يمكننا الإشارة إلى عدة عوامل متغيرة في هذا الإندماج هي :
1.    الإندماج من ناحية التشغيل، معاهد الإعداد المهني الحريدية (مثل شبكة المعاهد الحيدية للإعداد المهني) ساهمت بشدة في ذلك. وجاء الدافع لذلك بوجه عام نتيجة الضائقة الإقتصادية المنتشرة في المجتمع الحريدي (للأبناء وللبنات)، الذين تتضمن المواد الدراسية التي يدرسونها مواد دنيوية بمستوى مرتفع، والتي تسمح لهم بالحصول على شهادة تخرج. وفي هذا الإطار نُشر في يوم القدس 2008 استطلاع لإتحاد المصنعين في إقليم القدس، أتضح من خلاله أنه في الثماني سنوات الأخيرة أرتفع عدد الحريديم المشتغلين في القطاع الصناعي في منطقة القدس ستة أضعاف (خاصة النساء وبالأخص في قطاع الهاي-تك).
2.    الإندماج في الخدمات الأمنية، والإنقاذ والإسعاف. تتضمن الخدمات الأمنية: الحرس المدني، الشباب الطلائعي المحارب الحريدي. ومن بين منظمات الإنقاذ والإسعاف: اتحاد الإنقاذ، وانقاذ إسرائيل، تحديد هوية ضحايا الكوارث، حسيد شل إميت،ويد سارة، وعيزر متسيون.
3.    الإنداماج في الإعلام والثقافة. في الآونة الأخيرة زادت أعداد رجال الاعلام الحريديم، الذين يمكن أن نقابلهم سواءاً في وسائل الإعلام الموجهة للطائفة الحريدية، أو وسائل الإعلام الموجهة لسائر الجماهير.
ومن أشهر الشخصيات في هذا المجال كوفي اريئيلي، يديديا مائير، أريئيل برمان دودي زيلبرشلج، يوسي اليتوف، يعقوب ايخلر ويسرائيل ايخلر. في المقابل طرأ تطور أيضا في وسائل الإعلام والصحافة الحريدية الغير حزبية (للتفريق عن الصحافة الحزبية مثل همبشير، هموديع، يتد نأمان)، ووسائل الإعلام مثل راديو كول حاي، كول برما، الجريدة الأسبوعية مشبحاه وبقهيلاه وشاعاه توفاه.  وإحدى السمات المميزة لهذا التوجه هي ما نُشر بواسطة TGI بأن الصحيفة الأكثر أنتشاراً حالياً في القطاع الحريدي هي "مشبحاه"، التي لا تنتمي إلى أي من التيارات والفصائل الحريدية. وايضا بالنسبة لوسائل الإعلام المرتبطة بمجال الميديا المتطورة والإنترنت يزداد اندماج الحريديم بها. وكثيراً منهم بدأوا في تصفح الإنترنت والقيام بحوارات متنوعة في انحاء شبكة الإنترنت. وهناك العديد من التعلقيات الإلكترونية التي تدافع عن الجمهوري الحريدي مكتوبة في مواقع أخبار مركزية. وهذه الظاهرة وُجهت في البداية بمعارضة شديدة، خاصة من جانب ربانين ومحددي التوجهات في المجتمع الحريدي، لكن هذه المعارضة أخذت في الضعف بمرور الوقت ونجد حالياً ربانين عديدين في أوساط الجالية الحريدية يعروفون الإنترنت، بل ويطالبون أيضا بحلول تكنولوجية لسد احتياجات الجالية الحريدية. وبالفعل يعملون حالياً في وزارة الإتصالات على تطويرشبكة "انترنت مطابقة للشريعة اليهودية"، وهي شبكة تعمل حالياً في إطار نسخة تجريبية. وبمرور الوقت دُشنت مواقع انترنت دورها سد الحاجة إلى وجود مواقع انترنت مطابقة للشريعة. بالإضافة إلى كل هذا ساهمت أيضا بشكل كبير صناعة السينما الحريدية، سواءاً  الأفلام الداخلية مثل أفلام الأخوان جروفيس، وسواءاً أفلام ومسرحيات الممثل شولي رند الموجه إلى سائر الجمهور.كذلك يمكن أن نرى بذور اهتمام في أوساط الحريديم، بمجالات الأبحاث في الجامعات مثل الباليوجرافيا (علم الخطاطة)، وعلم الآثار، والتاريخ، والفلسفة، الأمر الذي يشير إلى حدوث تقارب من الجمهور الإسرائيلي، ومحاولة لإيصال أصواتهم.
4.    الإندماج في مؤسسات الدولة. أوري لوفوليانسكي ممثل الحريديم كان أول حريدي يتولى رئاسة بلدية القدس.خلال الفترة ما بين 2003-2008. عقب انتخابات الكنيست السادس عشر طُرحت إحتمالية أن يتولى أعضاء كنيست حريديم من قبل أجودات يسرائيل منصب الوزارء ايضا وليس فقط نواب وزراء. ولكن هذه الإحتمالية لم تتحقق في نهاية الأمر (خاصة بسبب تفضيل ضم حزب شينوي للإئتلاف). ويهودا مشي زهاف، في السابق ضابط عمليات الطائفة الحريدية، أشعل مشعل في مراسم يوم الإستقلال إكراماً لدولة إسرائيل، وهو يمثل بذلك أيضا تقارباً للعديد من الحريديم وانحيازهم تجاهها، حتى ولو بشكل متحفظ فقط.
مواجهة النزعة المعادية للحريدية لدى الجمهور العلماني
شهد عام 1999 صعوداً مفاجأ لحزب "شينوي" برئاسة الصحفي يوسف لبيد. وركز حزب شينوي في بداية طريقه بالمسألة الحريدية والإضطهاد الديني فقط تقريباً، وعلى الرغم من هذا التمركز الضيق نجح الحزب في الحصول على ستة مقاعد. وظل شينوي في المعارضة، ووعدت بأن تدخل الحكومة بدون احزاب حريدية. في المقابل حدثت ظاهرة معاكسة في نفس الإنتخابات تمثلت في صعود حزب شاس بسرعة الصاروخ، حيث حصل شاس على 17 مقعد. وبدرجة كبيرة على خلفية الشعور بأن إدانة أريا درعي جنائياً في نفس العام جاء نتيجة إضطهاد ديني.
في إنتخابات عام 2003 حدث انخفاض في عدد المقاعد الخاصة بشاس، في مقابل ذلك، تنامت قوة حزب شينوي وزادت مقاعده إلى 15 مقعد.
رئيس الوزراء المنتخب، أريئيل شارون، على الرغم انتمائه لليمين، والذي يُعد بالنسبة للكثيرين كأصولي، فضل شينيو على الأحزاب الحريدية، وشكل معها حكومة. وتعهد بأن يتم إلغاء قانون طال الذي يعفي الحريديم من أداء الخدمة العسكرية في جيش الدفاع الإسرائيلي. وأن يتم تخفيض ميزانيتهم. وبالفعل تم خفض ميزانية الأبناء بشكل كبير، وكذلك تم خفض ميزانيات اليشيفوت بدرجة ما. لكن لم يتم تنفيذ التعديلات الأخرى.
في نهاية عام 2004 علم شارون أنه لا يستطيع تمرير خطة الفصل الأحادية الجانب بدون ضم يهودية التوراة إلى إئتلافه بدلاً من شينوي، لأن فكرة أن تقوم حكومة علمانية تماماً بإخلاء المستوطنات اليهودية الدينية لن تروق للكثيرين داخل حزب الليكود.
وقرار الإنضمام للحكومة كان بيد الرابي يوسف شالوم اليشيف البالغ من العمر 94 عاماً، كبير الزعماء الحريديم الاشكناز. ولأن الزعامة الحريدية تسعى لعدم تحمل مسئولية قرارات سياسية حاسمة، شهدت الدوائر الحريدية القومية ممارسة ضغط كبير على الرابي اليشيف بعدم المساعدة في تنفيذ خطة الفصل. لكن فرصة زيادة ميزانيات القطاع الحريدي من جديد، وخاصة الرغبة في حماية مؤسسات التعليم الحريدي أضطرتهم إلى تنفيذ الخطة، وانضم حزب يهودية التوراة إلى الإئتلاف.
وادت خطة الفصل إلى التقرب من الحريديم القوميين،المطالبين بممارسة اسلوب حياة مشابه بشدة للحريديم من خلال دمج الأيدولوجية الصهيونية بالتوجهات اليمينية.     

  المصدر                  

   

        
                           
    

ليست هناك تعليقات: